أخبار الإنترنت
recent

اليالوشي مدعّي النبوة ( محمّد بن تقي الدين الجبائي البابلي ) / معالم وآثار الشهيد الأول محمد بن مكي (قده)

اليالـوشـي ( مـحمّد بن تقي الدين الـجبائي البابلي )
نورد في هذا الباب ( فتنة اليالوشي ) ما ذكره الشيخ محمد بن علي بن الوحيد البتديني من تلامذة الشهيد الأول قدس الله نفسه الزكية في مخطوطة نسيم السحر والتي اختصرها عن الأصل حفيد الشهيد الشيخ شرف الدين محمد مكي المطلبي ، واليالوشي مدعٍ للنبوة ومشعوذ عامل بعلمي السحر والسيمياء.
"محمد بن تقي الدين الجبائي البابلي "
ليس للجبائي البابلي ترجمة أو إسم في كتب وتراجم العلماء أو الشخصيات العاملية سوى ما ورد من أنه تلميذ للشهيد (.) وأول معرفةٍ لإسمه هو بعد اكتشاف مختصر نسيم السحر عام 2006م في مكتبة البروجردي بإيران ولكن هذه المخطوطة لم تشر بأن اليالوشي من تلامذة الشهيد قدس الله نفسه الزكية .
الجبائي : نسبةً للجبين في صور أو إلى جبة المنيطرة التي هجرها الشيعة بعد الهجوم المملوكي على شمال لبنان وكسروان وجبيل في بدايات القرن الثامن من الهجرة .
البابلي : نسبةً للبابلية من قرى الساحل في جنوب لبنان .
وخلال رحلة التحقيق في كلمة جالوش وجدت هذه الكلمة في ألفاظ الصوفيين ضمن كلمات غريبة إخترع الصوفية هذه الألفاظ الغريبة وزعموا أن للحروف أسراراً ورموزاً وإضمارات وطبائع وإشارات , متأثرين في ذلك بالعلوم السحرية الطلسمية التي فيها كفر وضلال ، ونموذج عن هذه الكلمات ما ورد في الدرة البهية في جوامع الأسرار الروحانية للشيخ علي بن محمد الطندتائي ص 31 ط ... مصطفى البابي الحلبي 1370 هـ : "جالوش عبروش عراش جواش هيهوش فهروش شلموش يعروش يعروش يعوش د ... ف ... ر أ ... 85 ... 255 .
--------------------------------------------
(.) " ففي هذه الظروف، ورغم احتياطات (الشهيد) ظهر في جبل عامل شخص يسمى بمحمد الجالوش، أو (اليالوش) ويقال: إنه كان من تلامذة الشهيد. ومن الشيعة من قبل، يدعو إلى مذهب جديد ويستغل الوضع في توسيع فجوة الخلاف بين (السنة والشيعة) وإيجاد فجوة في الطائفة ذاتها.
ولا تحدثنا كتب التاريخ عن شكل هذه الدعوة الجديدة ومحتواها وعن الشخص المدعو بالجالوش، أو اليالوش غير ما سمعت، ومع كثرة ما فحصنا في كتب التاريخ والتراجم التي تترجم رجال القرن الثامن الهجري لم نعثر على شخص بهذا الاسم، ولم نعثر على شرح أكثر عن هذه الدعوة إلا أن الذي يغلب على الظن أن الدعوة كانت مطبوعة بطابع (التصوف) والإيمان بوحدة الوجود، ويبدو أن (الجالوش) كان خطيبا متكلما لذقا، حلو البيان مشعوذا، استطاع أن يشد إلى دعوته الجديدة ناسا من السذج من (الشيعة والسنة)، فأربك الوضع (الشهيد) وخاف أن تشيع هذه البدعة الجديدة، ويتسع إطارها، ويكون خطرا جديدا على كيان الأمة، وفجوة جديدة في جسم الأمة، فاتصل بالبلاط وأقنع الجهاز بضرورة تلافي الأمر قبل أن يستفحل " . (شرح اللمعة - الشهيد الثاني - ج 1 - ص 145 146 ).
-------------------------------------
اليالوشي مدعي النبوة
وقد أورد محمود عبد المقصود ثابت مدرس التاريخ الإسلامي بجامعة أسيوط - مصر في بحث نشـــــــــــــر ( بمجلة ) حولية سِمنار التاريخ الإسلامي والوسيط ، تحت عنوان ادعاء النبوة في مصر والشام عصر سلاطين المماليك في خلاصة البحث (ص 217 - 218 ) نورد النقاط التي تخُصُ بحثنا :
4 - إن أكثر حالات إدعاء النبوة كانت في عصر المماليك البحرية في مصر والشام ( المماليك البحرية 648 هـ - 784هـ ) .
-6 كان مدعو النبوة في الشام أشد خطراً على الدين ، والمجتمع والسياسة والإقتصاد .
9 - تنوعت الحالة الإجتماعية للمتنبئين فكان منهم الأمراء والعلماء وعوام الناس .
11 - حققت دولة المماليك نتائج مهمة في هذا المجال فقد قضت على كل محاولات إدعاء النبوة في كل من مصر والشام .
لقد أولت سلطة المماليك هذا الملف الخطير إهتماماً كبيراً وسارعت للقضاء على كل مدعي النبوة ، وقد ورد في مختصر نسيم السحر رسالة الشهيد الأول لبيدمر بما يخص انحــراف اليالوشــــي ومسارعة بيدمر بجنوده وعساكره إلى وادي الزرارية للإلتحام مع قوات الشهيد الأول ضد اليالوشي : « فركب بيدمر بجنوده وعساكره سريعاً وأرسل إلى الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي وأخبره بسيره بجنوده وعساكره فتلقاه الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي وجميع أهل جزين وجميع أهل قرى جزين والريحان ومشغرة وكلَ النواحي الجبلية إلى وادي الزريرية وقال: « ها هنا النزول لفصل هذه القضية » ..
- فتنة اليالوشي كاملة كما وردت في مخطوطة مختصر نسيم السحر ( من الصفحة 5 وحتى الصفحة 9 ) :
« إلى أن خرج رجل وادعى النبوة وارتد عن مذهب الإمامية وخرج عن الدين وكان اسمه محمّد بن تقي الدين الجبائي البابلي وفعل أشياء بالسحر والشعبذة مما ويتعجب منها غاية العجب وأكثرُ القرى مالت إليه وجميع الناس الهمج انكرّت عليه لما رأوا منه إظهار العجائب وأفعال الغرائب مما لو ذكرته لطال منها: أنه كلّم الناس الذين في جبل عرفات في وقت الحجّ وهو واقف على ظهر البرج الذي بناه وتحصن به وقيل: إنّه قد كان عهد إليهم» وطوى الهواء [؟] على ذلك فلما رجع الحجاج وسألهم من كان حاضراً وسامعاً فقالوا: نعم نادانا وقال كذا وكذا ، ومنها أنّه قد أظهر يوماً البساتين وفيها الأشجار والأزهار وذلك بالشعبذة فأخبر الشيخ شمس الدين محمد بن مكّي حينئذٍ وكان قريباً لذلك المكان الذي فعل به ذلك ولم يعلم أنّ الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي في ذلك المكان. فلم [فلمًا] علم الشريف محمد فقال: «يا أيها الناس» لا تعجبوا من أشجاره وأزهاره التي رأيتموها وانظروا الآن ماذا يُفعلُ بزروعه وخضره التي توهّمتموها» قال: فأخذ ورقة وقطعها أربعة قطع وكتب على كل ورقة شيئاً من الأسماء ثم رمى تلك الأوراق في الهواء إلى الجهات الأربع الجنوب والشمال والشرق والغرب فلمًا رمى بكل الأوراق فما كان أقلَ من لحظة إلاوقد ظهر جراد منتشر في كلّ ناحية وقد غطّى الأرض والأفق والناس ينظرون إلى ذلك فأكل ما قد كان صنع بسحره وبشعبذته وكأنها لم تكن.
ثم أرسل إليه الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي جماعة من المسلمين على أن يترك هذه الشعابذة: « ولا تكن من الجاهلين ولا تشغل الناس عن الدين بما لا يجوز في شريعة سيّد المرسلين» فلم يرتدع ولا لقوله سمع ثم أرسل إليه ولده الشيخ الصالح النجيب الأصيل الشيخ ضياء الدين وأرسل معه أربعين عالماً من تلامذته الأخيار ومعهم جماعة من أولي الابصار فلمًا ساروا إليه لينصحوه وبالموعظة الحسنة لعلّهم ينفعوه وعن جهله يردوه علم بذلك فتلقاهم للقتال في وادي زبدين وهي قرية من قرى الشقيف ومعه جماعة كثيرة وشرع يقاتلهم ويتهددهم.
فقالوا له: سبحان الله نحن ما أتيناك للقتال ولا للشنيع من الأفعال، فقال: إِنْي أريد أن أرميكم بالفظيع ثمّ غدرهم وبسوء صنيعه قد قتلهم إلا خمسة منهم ابن الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي ضياء الدين علي المذكور فإنه قد تركهم ثم إِنّه قال للشيخ ضياء الدين عليّ ذي الرأي السديد: إرجع إلى أبيك الشيخ الفاضل المجيد وقل له أن يتركني وفي أفعالي لا يتعارضني.
فلمًا صدر من المرتد ما ذكرنا رجع ولد الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي إلى بلده جزين فأخبر أباه بما جرى وأخبره بما قال ثم أخبر أباه أيضاً بأنّ جميع قرى البلاد من السواحل كلّها وما فوقها قد مالت إليه وتابعوه على فعله القبيح ولم يبق على طريق الصواب إلا القليل من أهل القرى والأصحاب فتكدر لذلك وتأمل وقال: لا حول ولا قوة إلابالله العلي العظيم إنّ هذا الضال قد ارتدٌ عن شريعة سيد المرسلين فزَجْرُه وردعه عن أفعاله القبيحة وحركاته الشنيعة بالقتال لعلّه يستلزم أن يُقتل من لا يستحقّ القتل من الجانبين وأ نه لا ينبغي القتال بين المسلمين فكيف مع الأصحاب والمحبين وأكثر القوم أقارب وكلهم على الدين القويم فإِنا نتأمل في أمره إن شاء الله تعالى بما يليق وإِنّ الله بنا لرؤوف شفيق فحينئذٍ كتب الشيخ الشريف محمد بن مكّي إلى الملك بيدمر بعد التحية وشرح القضية : أنّ رجلاً من السواحل قد ارتدَّ عن مذهب الإسلام وأنّه قد ادّعى النبوة بعد نبينا محمّد سيّد الأنام وفي الصحيح: « أنّه من ادّعى النبوة بعد سيد المرسلين يُقتل باتفاق المسلمين » ولقوله عليه السلام « لا نبي بعدي» ولقوله تعالى : « ولكنْ رسول الله و خاتم النْبيين » ، وأنّه قد أضلّ كثيراً من المسلمين فيجب على الرؤساء في الملة الحنفية المحمّدية المساعدة والمبادرة على قمع من خالف الشريعة المطهّرة بارتداد وإقامة الحدّ عليه إن ظهر (خ ل: على من يظهر منه) منه فساد أو عناد وأنّ الله سبحانه قد منّ عليك بالرياسة الدنيوية وأ نّه (جلّ شأنه) قد منّ وأنعم على هذا العبد بمعرفة الأحكام الشرعيّة التي جاء بها نبيّنا محمّد سيّد المرسلين ( صلوات الله عليه وعلى أصحابه أجمعين ) فيجب علينا العمل بمقتضى أوامره ونواهيه وأ نه يجب عليكم مساعدة الشريعة الغرّاء ولزوم المحجّة البيضاء لدفع هذا الضالٌ فالمسؤول والمأمول من الخليفة القاهر الباهر والملك الناصر القادر الرافع لأعلام الرايات الدينية والقامع لمعاند الشريعة النبوية (خلد الله ملكه وجعل الدنيا بأسرها ملكه ) أن يقابلنا بجهوده المشكورة وأن يساعدنا (خ ل : يؤيّدنا وينصرنا) بجهوده المشكورة وعساكره المنصورة لردع هذا الضال المضل عن الشرع الشريف والمرتد عن الدين المحمّدي الحنيف» فركب بيدمر بجنوده وعساكره سريعاً وأرسل إلى الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي وأخبره بسيره بجنوده وعساكره فتلقاه الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي وجميع أهل جزين وجميع أهل قرى جزين والريحان ومشغرة وكلَ النواحي الجبلية إلى وادي الزريرية [ الزرارية ] وقال: « هاهنا النزول لفصل هذه القضية» فلما استقرّت (خ ل: وصلت) العساكر والجنود في المكان المذكور أرسل الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي إلى الرجل المرتد اليالوشي :
« إعلم أ نه لا ينبغي منك أن يكون ما قد كان لكن ما قدر الله يكون وسوف يكون وأنّ لنا عليك حقوقاً فلم تنكرها وأنك لتعلم أنّ الله قد منحنا علوماً لا تعلمها من علم السيما والشعبذة وعلم السحر وغيرها وأني لأسترها وأكتمها خوفاً من الحي القيوم وتصديقاً لنبيّه محمّد مخزن أسرار العلوم وأنت بحقير منها قد ضللت عن الطريق وخالفت نصيحة كل صاحب وصديق وأنك قد خالفت الطريقة المصطفوية ومِلت عن الشريعة المطهرة المحمّدية وإعلم بأنّ هذه الجنود والعسكر قد كانت أرادت السير إليك والنزول بخيلها ورجلها عليك لسفك دماء ما قد جمعته من الرجال لديك وهدم الحصون التي قد شيّدتها وبنيتها جزاءً لما قد فعلته من سفك دماء المسلمين ومخالفة شريعة سيد المرسلين ولكن رديناها [كذا] وعنك قد صديناها إلى بعد الاجتماع معك منفرداً فإني بنفسي أريد الوصول إليك ومعي رجل لا غير وأنت والقوم الذين لديك لا تخافوا من أن يقع مني بكم ضير» ملخّص ما كتبه (خ ل: ما ذكر) شمس الدين محمّد بن مكّي.
فلمًا وصل مكتوب الشيخ إليه أبعد القوم وبقي منفرداً في البرج ذلك اليوم ثم سار إليه الشريف الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّيء ومعه ولده ضياء الدين علي فلمًا دخلا عليه في حصنه وقلعته فتلقاهما بقلب شديد مُصرًاً على ما هو عليه من الحوبة فعلما ارتداده وأ نه لا تقبل منه التوبة ولقد كان قبل دخولهما عليه وحال سيرهما إليه رجل من المخلصين والثابتين على الحقّ القويم والدين المتين ومن المقرّبين عند اليالوشي لكن من الذين ظاهرهم معه وقلوبهم عليه قد كان عهد إلى الشيخ: « فإذا توجّهت إليه وأقبلت عليه ودخلت البرج فإنّي أكفكه إن شاء الله تعالى فإني أشهد بالله أ نه مرتد وكاذب في دعواه وأنّه من الضالين المضلين» فلمَا دخل عليه شمس الدين محمّد بن مكّي وولده الشيخ ضياء الدين عليّ قضى أمره والله بالغ أمره ثم إنّ الشيخ قد أرسل ولده إلى الجماعة التي كانت مجتمعة لديه وإلى بقية أهل القرى ليسألهم: هل كنتم صدقتم دعواه، أو كنتم اعتقدتم ما صنعه (خ ل: استحسنه) وافتراه فلمّا سألهم قالوا : « حاشا لله بل كان عندنا من الكاذبين وكنا نعتقد أ نه قد ارتد عن الدين» لكنه لمَا بالغ في بذل المأكول والملبوس والناس أكثرهم عبيد ما يأكلون ويلبسون».
حتى أنه قد نقل عن ولد مراهق قد قال لأبيه: «يا أبتي اليالوشي أنبيَ هو؟ فقال له أبوه: «يا بنيّ ألا ترى إلى كثرة هذه الكباب يا بْنِي إذا قيل: أنبي فقل: نبي ونص يا بني كل من هذه الكباب وقُص حتّى تغص وقال: يا بنيّ إذا قالوا [كذا] الناس: إنّ العجل ربّ فنحن نأخذ الحشيش ونطعمه فليس علينا من كفر بالله أو ذنب فإنٌ الدين له من يحفظه ويحميه ويُقيمه والدين فضل من الله والله يؤتي فضله من يشاء» ، انتهى.
فحيئئذٍ قد رُدّت الناس إلى مأمنهم بعد خوفهم من برقوق وعساكره وأمر الشيخ ضياء الدين - ابن الشيخ - الناس بأن يردوا إلى منازلهم بعدما نصحهم ووعظهم وصاروا مطمتنين وهم على ما كانوا عليه من الدين لله ربٌ العالمين وجلس (خ ل: وأقام) الشيخ ولد الشيخ شمس الدين محمد بن مّكي ضياء الدين علي مدّة في السواحل لإرشادهم ووعظهم ودلالتهم على الدين كما هو شأن العلماء الأكرمين الأبرار والفضلاء الأخيار والشيخ الشريف شمس الدين محمّد بن مكّي في بلدة جزين والناس مقبلة عليه للعلم والدرس في كل وقت وحين حامدين شاكرين برهة من الزمان مستقرّين آمنين مطمئئين.
--------------------------------------------------------
- من كتاب معالم وآثار الشهيد الأول محمد بن مكي (قده) 

تأليف وتحقيق : هادي الشيخ محمد جواد شمس الدين .

شبكة آل شمس الدين الثقافية

2024م - 1445 هـ






شبكة آل شمس الدين الثقافية

شبكة آل شمس الدين الثقافية

الأكثر زيارة

يتم التشغيل بواسطة Blogger.