أخبار الإنترنت
recent

الشهيد الأول محمد بن مكي (قده) ما بين جزين والحلة / معالم وآثار الشهيد الأول محمد بن مكي (قده)

        ولادة الشهيد الأول في جزين ، التي كانت مركزاً للإشعاع الفكري والثقافي والحوزة العلمية الشيعية في بلاد الشام ، شكّلت الأسس الراسخة للشهيد في هذه البيئة الثريّة، حيث تشرّبَ مبادئَ العلوم العربية والفقهية من مناهلها الأصيلة ، فكانت "جُزَيْن" بمثابةِ رَحِمٍ علميّ ، وأرض خصبة  لبذورِ المعرفة التي ستُنْتِجُ فيما بعدُ شجرةً علميّةً وَارِفةَ الظلال.

      وكون والدته سليلة بيت العلم في الحلة بالعراق كريمة السيد تاج الدين ابن معية الفقيه المعروف وتلميذ العلامة الحلي يمثل عاملاً ثقافياً استثنائياً مضافاً فالحلة في تلك الفترة كانت عاصمة الفقه الشيعي بامتياز والمركز العالمي للحوزة ، وموطن العلامة الحلي وولده فخر المحققين، اللذين يمثلان قمتي التجديد والتحقيق الفقهي والأصولي في المذهب الإمامي.

      هذا الارتباط سمح للشهيد بالرحيل مبكراً إلى الحلة ( في سن السادسة عشرة) لتلقي العلم مباشرة عن فخر المحققين (ابن العلامة الحلي)، والذي وصفه بأنه : "مولانا الإمام العلامة الأعظم، أفضل علماء العالم، سيد فضلاء بني آدم" وفي مورد آخر ”لقد استفدتُ من تلميذي محمد بن مكي أكثر مما استفاد مني“ ، هذا اللقاء مع أساطين العلم في مركز الفقه الأكبر أتاح للشهيد الأول قده التعرف على المنهج الحلي القائم على الاجتهاد، والتحقيق، والمقارنة، ودمجه مع الأصالة العلمية العاملية ، فأنتج هذا التمازج شخصية علمية ذات سمات فريدة:

-​1- التبحر الموسوعي : لم يكتفِ الشهيد الأول بالدراسة الشيعية، بل رحل إلى مراكز إسلامية أخرى مثل بغداد، ومكة، والمدينة، والشام، والقدس، ومصر، ودرس على أيدي مشايخ من المذاهب الأربعة للسنة، حتى حاز منهم إجازات في الرواية والفتوى، وهو ما جعله فقيهاً مقارناً ذا إحاطة واسعة، يتجلى هذا في أعماله مثل اللمعة الدمشقية وذكرى الشيعة .

-​2- الاستقلالية والتحقيق : على الرغم من تتلمذه على فخر المحققين، إلا أنه لم يكن مقلداً، بل كان محققاً متبحراً يملك آراءه الخاصة في الفقه والأصول ، هذا النبوغ المبكر والاستقلالية في التفكير هما ثمرة تلقيه العلم في بيئات متنوعة وفي سن مبكرة، مما صقل ملكته الاجتهادية.

-​3- الدور الريادي : لقد أسس الشهيد الأول مدرسته في جبل عامل، والتي كرّست المنهج التحقيقي المتفوق الذي اكتسبه من الحلة وزاد عليه من علمه المقارن ، بهدف تجديد الفقه الشيعي وتطويره وتنقيحه، مما جعله في مكانة "فقيه أهل البيت في زمانه" .

    ​بهذا، نستنتج أن البيئة المشتركة بين جزين (الأصالة والمعرفة ) والحلة (عمق المنهج التحقيقي ) هي التي صنعت من محمد بن مكي العاملي هذا العقل الفذ فجسد قمة الإنجاز الفقهي في عصره، وترك تراثاً لا يزال حاضراً في الحوزات العلمية وبقوة حتى اليوم .

------------------------------------------------------

- من كتاب معالم وآثار الشهيد الأول محمد بن مكي (قده) 

تأليف وتحقيق : هادي الشيخ محمد جواد شمس الدين .

شبكة آل شمس الدين الثقافية

2025م - 1447 هـ



شبكة آل شمس الدين الثقافية

شبكة آل شمس الدين الثقافية

الأكثر زيارة

يتم التشغيل بواسطة Blogger.